بعد
مرور قرابة الحول على خلع بن علي وكنس نظامه المافيوزي وبعد وصول حكومة حمادي
الجبالي إلى الحكم لا بد من الرجوع إلى عديد الملفات القضائية التي شهدت انحراف
السلطة وتعسفها في تطبيق القانون وبالتالي ضرورة محاسبة كل من أذنب في حق أبناء
تونس .
حيث أصدرت الدائرة
الجنائية الرابعة لدى المحكمة الابتدائية بتونس يوم الأحد 30 ديسمبر 2007، أحكامها
في "قضية سليمان" التي تعود
أحداثها إلى ديسمبر 2006 ومطلع جانفي 2007، والتي حصلت فيها مواجهات مسلحة بين
قوات الجيش والبوليس من جهة ومجموعة سلفية من جهة أخرى أسفرت عن سقوط مالا يقل عن
14 قتيلا حسب السلطات (12 من المجموعة المسلحة و2 من قوات البوليس).
وقد كانت قضت المحكمة
التي ترأسها القاضي (المعزول بعد الثورة)محرز الهمامي شهر "بوقا" ومثل
النيابة العمومية خلالها مساعد وكيل الجمهورية مكرم المديوني ( الذي تعود لسنوات
على تمثيل النيابة بالدائرة الجناحية ومن بعدها الجنائية التي كان يترأسها محرز
بوقا بحرص من هذا الأخير) .... بإعدام اثنين من المتهمين عماد بن عامر وصابر
الراقوبي والسجن مدى الحياة على 8 منهم ولمدة 30 سنة على 7 آخرين وتراوحت الأحكام
بالنسبة للبقية بين 5 سنوات سجنا و20 سنة.
وحيث أكد محامون الدفاع
خلال المحاكمة وكل الذين تابعوا والتي تعتبر واحدة من أخطر المحاكمات التي يجريها النظام
المكنوس تحت غطاء "مقاومة الإرهاب"، أنها كانت صورية، لم تتوفر فيها
للمتهمين فرصة الدفاع عن أنفسهم سواء لإبراز ما تعرضوا له من تعذيب وحشي أثناء
استنطاقهم بمحلات البوليس السياسي وإرغامهم على إمضاء محاضر لم يطلعوا على فحواها وتزوير
تواريخ إيقافهم بهذه المحاضر أو لتبيان براءتهم من التهم الموجهة إليهم وتقديم
روايتهم لما حصل بالضبط، وهو ما اضطرهم إلى مغادرة قاعة المحكمة خلال الجلسة
الأخيرة احتجاجا على انتهاك حقهم في الدفاع عن أنفسهم، علما وأنه تم الاعتداء
عليهم بالهراوات من قبل البوليس في جلسة سابقة جلسة 15 ديسمبر 2007 على مرأى ومسمع
من هيئة المحكمة التي لم تحرك ساكنا بل إن بعض الحاضرين يؤكد أن البوليس تدخّل أثناء الجلسة
بطلب من ممثل النيابة العمومية الذي كشر عن أنيابه وتميز خلال مرافعته بتصريحات
نارية وحماسية غير معهودة.
ومن جهة أخرى لم
تتوفر الفرصة في هذه الحاكمة للمحامين كي يدافعوا عن منوبيهم في كنف الحرية.
فالقاضي المعزول محرز الهمامي منعهم منذ الجلسة الأولى من القيام بواجبهم ورفض
الاستجابة لأبسط مطالبهم التي تأتي في مقدمتها تمكينهم من الوقت الكافي لإعداد
مرافعاتهم في قضية بمثل هذه الخطورة، ومدهم بكافة أوراق الملف والسماح لهم بزيارة منوبيهم
دون منع أو عراقيل. وقد وجد المحامون أنفسهم مضطرين إلى الانسحاب من الجلسة للمرة
الثانية حتى لا يشاركوا في مهزلة قضائية ولا يشرعوا الأحكام القاسية والجائرة
الصادرة ضد منوّبيهم. وأمام هذا الانسحاب
لم يتورّع رئيس المحكمة، من تسخير محامين ينتمون للتجمع المقبور كانوا مجندين
للغرض منذ بداية المحاكمة، وحاضرين بكل جلساتها للاستنجاد بهم عند الحاجة. وقام
هؤلاء في قاعة خالية من المتهمين ومن محامييهم الأصليين، بدور مشبوه ومساند لطلبات
مكرم المديوني ممثل النيابة العمومية إذ أنهم أكدوا تورّط المتهمين في "ما
نسب إليهم من أفعال" وطالبوا لهم "بظروف التخفيف".
وهكذا أصدرت
الأحكام في هذه القضية دون أن يتمكن المتهمون من الدفاع عن أنفسهم مباشرة أو عن
طريق محاميهم، كما طوي ملف هذه القضية في طوره الأول دون أن يتضح للرأي العام ما
جرى بالضبط في أواخر ديسمبر2006 ومطلع 2007. ومن الواضح أن النظام البائد كان يرغب
في الحفاظ على التعتيم الذي حف بهذه القضية منذ البداية والانتقام من الشبان
الموقوفين فيها ظنا منه أن هذا الأسلوب سيضع حدا لظاهرة "السلفية
الجهادية" وأنه سيردع كل من ينخرط في هذا التيار ويحول دون وقوع أعمال عنف
جديدة.
ومهما يكن من أمر
فإن الأسلوب الذي عولجت به "قضية سليمان" بحثا وتحقيقا ومرافعة وأحكاما بتحالف غير مسبوق بين أجهزة البوليس والقضاء والنيابة
العمومية وبعض المحامين من أيتام المخلوع يؤكد انحراف أجهزة كاملة وتورط عديد
المسؤولين وتطوعهم لخدمة الديكتاتورية وتعطشهم لظلم شباب تونس.
إن مختلف مكونات
المجتمع المدني من قوى ديمقراطية، أحزابا وجمعيات ومنظمات وهيئات حقوقية مطالبة
اليوم بأن تتحرك بسرعة وبحزم من أجل التشهير
بهذه المهزلة القضائية وبالأحكام الصادرة عنها وخصوصا أحكام الإعدام والمطالبة
بمراجعة المحاكمة وإعادتها إلى الطور الأول وتمكين المتهمين من حقهم في الدفاع عن
أنفسهم وفتح بحث جدي ومستقل في ما تعرضوا له من تعذيب وسوء معاملة. كما أنه من
الواجب مواصلة المطالبة بفتح تحقيق حول الأحداث التي جدت والتي تتم اليوم على
خلفيتها هذه المحاكمة حتى يعرف الرأي العام حقيقة ما جرى.


Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire