jeudi 5 mars 2015

حول تحصين الشخصية من التطرف والإرهاب: سننجو من الطاعون إن علّمنا أبناءنا أنّ "على الأرض ما يستحقّ الحياة"




وأنت تقاوم الإرهاب تذكّر حماية الجغرافيا  لكن لاتنس أيضا حماية ذات الإنسان...لا تنس أن تخوض حربك على جبهة الآنيّ العاجل -من ناحية- والمستقبل الذي سيضيع إن لم تشرع في التأسيس له اليوم –من ناحية ثانية-...
خض حربك لحماية أرضك بالبوليس والعسكر , وخض حربك المعرفية والثقافية لحماية حدود شخصية كلّ ابن من أبناء تونس...
•••
يقال إن ثلاثة آلاف تونسي التحقوا قطعانا يهشّها الرّاعي البغدادي بعصا فتاوى النحر والانتحار عدا من هم بين ظهرانينا من القطعان النائمة التي تجترّ الفرح بحرق الإنسان في أقفاص "نيرون" الداعشي , وبذبح الوطن على أطراف العباءة الأميرية المقدّسة حدّ التّأليه
كثيرة هي القطعان النائمة بين ظهرانينا ترتدي جلود الأغنام المبايعة للخليفة وتشحذ أنياب الذئاب التي تستعدّ لافتراس الوطن والمواطن...
•••
نحتاج الرصاص للدفاع عن حدود أرض تونس وحرمتها , لكن ليس يكفينا السلاح وحده لتسترجع قطعان الغنم المستذئبة (نسبة إلى الذئب) إنسانيّتها ووطنيتها
وليس يكفينا السلاح الرشاش لنصون شخصيات ناشئتنا المهدّدة بالاختراق من قبل الفيروسات الإرهابية , لا لما هذه الفيروسات  من قدرةعلى الاختراق بما لها من مال ودعم خارجي استخباراتي وسياسي وعسكري ولوجستي , وما لها من رايات التوحيد تغري بالإيمان الأعمى بعقيدة الخوارج فقط , بل لأننا نتحمّل دولة ومجتمعا قدرا من المسؤولية في ترك ثغرات تعبر منها الخلايا السرطانية الداعشية إلى عقول تكلّست وأنفس تحجّرت و لأننا لم نحسن تلقيحها لتكتسب حصانتها الذاتية...
•••
أيّ المضادّات الفيروسية نحتاج إذن كي لا يتكاثر بيننا جيل من ذوي الشخصيات المصابة بأورام التطرف الديني؟
ليس بالإمكان –طبعا- أن نقاوم المرض إلاّ بعد تشخيصه وتحديد مُدخِلاته التي
جعلته يتشكل خللا وتشوهات في بُنى الشخصية ولعل من بين أهم مُدخِلات التطرف :
•المدخل المادي الاجتماعي ممثّلا في الفقر والبطالة والحيف الاجتماعي والجهوي ولا سبيل إلى تحصين الشخصية من الاختراق عبر هذا المدخل إلا بسياسات تنموية حقيقية وجادة وعادلة , فالدولة التي تبشرنا بتشييد سجن في كل جهة مدعوة أيضا إلى تبشيرنا بتشييد مستشفى ومصنع أو أكثر في شتى أصقاع البلاد.
•والمدخل المعرفي العلمي وقد يعترض علينا البعض في هذا الجانب بما توفر من إحصائيات تثبت أنّ عددا كبيرا من ذوي المستوى الأكاديمي ومن ذوي الاختصاصات العلمية خاصة هم ممّن ارتضوا الانحناء تصديقا لخطب الأمير الداعشي والهرولة استجابة مَن آمن بفتاوى النحر والانتحار
وإن كنا لا ننكر هذه الإحصائيات ولا نكذبها فإننا نراهامن دواعي المراجعة الهيكلية لمنظومة التعليم ومراجعة برامجه التي يبدو أن من هناتها البيداغوجية والمعرفية أنّها تعمل على إنتاج عقول عالمة غير أنّها تغفل جعلها في نفس الوقت عقولا ناقدة
إذ يبدو-مثلا- أنّ للتكوين الفلسفي الضعيف والمحدود لتلاميذ الشعب العلمية-خاصة- في المرحلة الثانوية والإهمال التام لهذه المادة في التعليم الجامعي بالنسبة إلى من يتوجهون إلى اختصاصات علمية يسهم في تشكيل عقول مكتفية بالتقعيد مطمئنّة إلى الحقيقة مما يجعلها فاقدة لسلاح الشك النقدي خاصة إن تعلّق الأمر بمسائل الدين والميتافيزيقا والوجود...ولعل من بين الحلول المقترحة في هذا الجانب أهمية إدراج مواد ذات بعد نقدي على صلة بالاختصاص العلمي للطالب مثل فلسفة العلوم وتاريخ العلوم...
هذا فضلا عن  أهمية إيلاء التفكير الإسلامي وتاريخ المذاهب
والفرق الإسلامية والتفاعل بين الديني والسياسي في التاريخ الإسلامي والفكر المقاصدي الشرعي ما يستحقه من عناية في برامج التعليم الثانوي...
•المدخل الثقافي الفني: إنّ الناشئة تعاني من خواء روحي ونفسي ومن فقر ثقافي من بين أسبابه غياب سياسات ثقافية واضحة. لعلّ من بين تجلياتها وآثارها هجر دور الثقافة في شتى الجهات (الداخلية خاصة) لغياب الدعم المادي ولتواضع النشاطات الفنية والثقافية وعدم قدرتها على استقطاب الشباب ومن تجلياتها أيضا تحول مشروع مدينة الثقافة بشارع محمد الخامس مثلا إلى مقبرة ثقافية مهملة إضافة إلى أن المهرجانات والمعارض الفنية الثقافية حافظت على صبغتها المناسباتية وعلى مركزية إقامتها فهي لا تتجاوز في الغالب حدود المدن الكبرى إن لم نقل بلا مبالغة أو مغالاة أنها لا تتعدى حدود العاصمة...
 وكلّ هذا وغيره يبين عدم وجود رهانات حقيقية لتهذيب الذائقة وإطفاء غلّة ما تعانيه أنفس جيل هُمِّش ثقافيا وفنيا (كما همّش ماديا ومعرفيا)  من الخواء ما يؤدي إلى توجّهه أحيانا إلى تعويض هذه الفراغات بأوهام التطهر والقداسة يسوّقها شيوخ التطرف وأمراؤه على أنها تفترض الكفر بالحياة , حياة ذات يزهد بها صاحبها بحثا عن خلاص ماورائي ولذائذ غيبية تعوّضه فقره النفسي والمعرفي والمادي وطالما تُختَزل هذه اللذائذ-بقصدية من قِبَلِ أمراء الإرهاب ومفتيه- في الحور العين لوعيهم بأهمية المحرك الجنسي لدى شباب يعاني أشكالا من الحرمان (ليس بالمعنى الحسي الجسدي فقط وإنما بالمعاني  التي سبق ذكرها :ماديا-ثقافيا-معرفيا وهي أشكال من الإشباع القادرة إن توفرت على تهذيب الغرائز وتأطيرها)...
كما يُفتَى لهم باستباحة دم كلّ المجتمع بزعم تكليفهم بالاقتصاص منه لارتداده عن الدين , ولعل ما يقود الناشئة - حقيقة -هو ما ترسّب في لاوعيها من رغبة باطنة مكتومة للانتقام من هذا المجتمع الذي همّشه حتّى آمنت أن "ليس على هذه الأرض ما يستحق الحياة" دون أن تعي بأنه تناقض دينها وكل الشرائع السماوية منها والأرضية التي تعتبر أنّ الله استخلف الإنسان في الأرض لينشر الحب والسلام لا لينشر القتل والتنكيل والدمار...
•••
إننا لعمري محتاجون إذن إلى محاربة الإرهاب والتطرف الديني على أصعدة مختلفة لا يجب أن تقتصر على المواجهة الأمنية العسكرية بل يجدر أن تُعنى عناية بالغة بالبحث في أسبابه النفسية والاجتماعية والتربوية والاقتصادية والسياسية... التي أدّت إلى استشراء ظاهرة التطرف بين شبابنا حينها سنستطيع تحصينهم وحماية شخصياتهم من الإصابة بفيروس النحر والانتحار...
أمّا إن اقتصرنا على المواجهة الأمنية –على أهميتها- فإننا قد نوفّق في حماية الجغراسياسي آنيا بصون حرمة بلادنا وحماية الدولة الوطنية ولكننا لن نكون قادرين على حماية التاريخ  إذ المستقبل (القريب كما البعيد) سيظل مهددا باستحالة فيروس التطرف والإرهاب طاعونا  سينتشر مالم نخض حربنا ضد أسبابه  ودوافعه...
          

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire